يأتي هذا المقال ضمن سلسلة من المقالات حول الدّعم المقدّم من اليونيسف والصّندوق الائتماني الإقليمي للاتّحاد الأوروبّي استجابة للأزمة السّوريّة لمنع تحوّل الأطفال والشّبيبة المتضرّرين من الحرب من أن يصبحوا جيلاً ضائعاً
بقلم مالين كامب يِنسين
عمّان 3 نيسان/أبريل 2017– حياة مجد في دمشق سارت في الطّريق الصّحيح، فهو صبيّ حادّ الذّكاء متحفّز في تصميمه لأن يصبح صحفيّاً. أمضى الوقت في المدرسة نهاراً، ومع الأصدقاء والعائلة في مشاهدة الأفلام أو الذّهاب لممارسة الرّياضة مساءً، وكانت عطل نهاية الأسبوع ملآى بالنّزهات أو السّباحة في المسبح القائم في حديقة البيت. ثم، قامت الحرب في سوريا وانهار عالم مجد.
“كان جسمه ممتلأً قليلاً”، قالت أمّه على سبيل الدّعابة وهي تقرص خدّي ابنها في مساء أحد الأيّام في عمّان مؤخّراً، وذلك في شقّة صغيرة قابعة في الطّابق السّفلي للبناية الّتي انتقلت العائلة للإقامة فيها بعد أن أصبحت تكاليف السّكن في مكان إقامتهم السّابق يفوق قدرات العائلة.
عمر مجد اليوم 21 سنة، وعائلته هي واحدة من ملايين العائلات الّتي أجبرت في السّنوات السّتّ الأخيرة على الفرار من بيوتها المريحة في أغلب الأحيان، لتعيش إمّا في سوريا أو عبرالحدود حيث المجهول.
كانت الرّحلة في السّيّارة ما بين العاصمة السّوريّة والأردن مخيفة بالنّسبة لمجد ولوالدته وأخيه الأصغر وأختَيْه الإثنتين – وقد تركوا وراءهم الوالد والجدّة والأخ وحياة تنعم بالألفة والاستقرار.
يعمل مجد في الأردن 12 ساعة لمدّة ستّ ليالٍ في الأسبوع كمصمّم غرافيك، مقابل أجر يقارب الـ10 دنانير (14 دولاراً أمريكيّاً) لقاء كلّ ورديّة. يكاد هذا المبلغ لا يغطّي إيجار مسكن العائلة المتهالك، والّذي يبلغ 150 ديناراً أردنيّاً (211 دولاراً أمريكيّاً). لا يبقى من أجر مجد إلاّ القليل، يُنفق في تسديد ثمن الطّعام والملبس وفاتورة الكهرباء والضّروريّات الآخرى في بلد يعتبر أحد أغلى البلدان في الشّرق الأوسط.
حين سُئل مجد عن التّحدّيات اليوميّة الّتي يواجهها أجاب: “إن الضّغط هائل”. مجد هو المعيل الوحيد للعائلة، وبرغم ساعات عمله الطّويلة، فإنّ الوضع الاقتصاديّ للعائلة يتراجع يوميّاً، وتستمرّ أحلامه في أن يكمل تعليمه بالانسياب بعيداً.
وصل الأمر بمجد –الّذي كان يملأ الكتب بالأشعار في وطنه- لأن تنفذ منه وببساطة كلّ المفردات. “توقّفت عن الكتاب”، قال هذا الشّاب.
لكن، قبل بضعة أشهر، بدأت الأمور تتغيّر.
لقد سمع مجد عن مركز موجود في الحيّ الّذي يقيم فيه، حيث يأتي الأطفال والشّبيبة للتّعلم ولقضاء الوقت معاً. في سعيه الحثيث لكي يحصل على أيّة فرصة تعلّم مجانيّ، بدأ مجد يحضر الأنشطة بعد انتهاء ورديّة عمله اللّيلي. وفي المركز، توجّهوا إليه ليكون أحد المشاركين في مشروع بحث ابتكاري تشاركي للشّبيبة.
ألهدف من المشروع، هو تدريب وإشراك بعض الشباب الأكثر تهميشاً لقيادة عمليّة جمع البيانات المجتمعيّة حول الآمال والتّطلعات والتّحدّيات الّتي يواجهها الشّباب، ومن ثمّ إيجاد حلول لمشاكلهم المشتركة.
في شهر آذار/مارس الماضي، حصل مجد و45 شخصاً آخرون من الشّبيبة في الأردن على شهادة “باحث شابّ”، كجزء من مشروع البحث التّشاركي الإقليمي الذي أطلق في العام الماضي. تقوم اليونيسف والصندوق الائتماني الإقليمي للاتّحاد الأوروبي استجابة للأزمة السّورية وشركاء آخرون، بدعم هذه المبادرة التي تصل مئات الفتية والفتيات الصّغار، والّتي بإمكانها إشراك المزيد منهم.
ما يميّز الصّندوق الائتماني للاتّحاد الأوروبّي، هو شمل المجتمعات الضّعيفة الّتي تستضيف اللاجئين ، ومنها فئة الشّبيبة من أردنيّين وعراقيّين ولبنانيّين وفلسطينيّين، والّتي تعيش على حافّة المجتمع بسبب الفقر والعنف والإقصاء.
ألتّحدّيات التي سلّط مجد والمشاركون الآخرون عليها الضّوء بعد اللّقاءات الّتي أجروها مع أقرانهم، تلخّصت بعدم حصول هؤلاء الأقران على الدّعم المالي والتّعليم النّوعي، ومحدوديّة فرص الحصول على التّدريب المهني أو غيره من التّدريب الّذي يحصل صاحبه على شهادة معتمدة، وعدم توفّر الوظائف الآمنة وذات المردود المادّي الجيّد، وفقدان الشّعور بالانتماء، والحماية من العنف في المنازل والمجتمع، وكذلك في المدارس ومكان العمل.
قام الشّبيبة القيّمون على البحث بتطويرخطط عمل لتنفيذ حلول مبتكرة، وذلك بدعم من اليونيسف وشركائها. تشمل هذه الخطط تطوير مجموعات دعم مجتمعيّة للحفاظ على وضع آمن للشّبيبة ولمعالجة العوائق الاجتماعيّة المحليّة، وذلك بتزويد هؤلاء الشّباب الصّغار بثقافة تعي الاستراتيجيّات السّلبيّة، لكي يواجهوا ظواهر مثل فقدان اليقين، التّعيير والوصم، الزّواج المبكّر، والحقوق في العمل، وكذلك قاموا بالإعداد لاجتماعات مع أصحاب المصلحة المحلّيّين والإقليميّين حول حقوق هؤلاء الشّباب، بهدف تحفيز التغيير.
“إنّ الشّباب الصّغار هم الحلّ – وليسوا المشكلة”، قالت فيرا ميندوسا، رئيسة وحدة المراهقين الإقليميّة التّابعة لليونيسف في عمان. وأضافت: “إذا استثمرنا في الشّباب وجعلناهم يعرفون بأنّ أصواتهم تهمّنا، فعندها سيكون للاستثمار فيما يتعلّق بتحسين الحياة عوائد جمّة، ليس بالنسبة لهم فقط ، بل لمجتمعاتهم ولبلدانهم أيضاً”.
حول الشّراكة بين اليونيسف والصّندوق الائتماني الإقليمي للاتّحاد الأوروبّي استجابة للأزمة السّوريّة:
حصلت اليونيسف على أكثر من 100 مليون يورو، من الصّندوق الائتماني الإقليمي للاتّحاد الأوروبّي استجابة للأزمة السّورية. وتساعد هذه الأموال مئات الآلاف من الأطفال والشّباب – من أبناء اللاّجئين وأبناء المجتمعات المضيفة والهشّة – في الأردن ولبنان وتركيا، لكي يحصلوا على التّثقيف والتّعلم والدّعم النّفسي-الاجتماعي والحماية من الممارسات المؤذية الّتي يتعرّضون لها.
- by Rasha
- Filed under Stories in Arabic (قصص).